الجمعيات الخيرية ودورها في تفعيل حكم إعطاء الصدقات في الإسلام

٣ مايو ٢٠٢٤
هبة
الجمعيات الخيرية ودورها في تفعيل حكم إعطاء الصدقات في الإسلام

الجمعيات الخيرية ودورها في تفعيل حكم إعطاء الصدقات في الإسلام

التلعب الجمعيات الخيرية دورًا محوريًا في تفعيل حكم إعطاء الصدقات في الإسلام، بما تمتلكه من خبرات ومعرفة بالفئات الأشد حاجة, ويجوز التصدق عبرها اقتداءً بنماذج جمعيات خيرية كانت منذ عهد النبوة.

تلعب الجمعيات الخيرية دورًا محوريًا في تفعيل حكم إعطاء الصدقات في الإسلام، بما تمتلكه من خبرات ومعرفة بالفئات الأشد حاجة, ويجوز التصدق عبرها اقتداءً بنماذج جمعيات خيرية كانت منذ عهد النبوة.


الصدقة من أعظم القربات وأجلّ الطاعات التي حثنا عليها الإسلام، فهي سبيل لتزكية النفوس وتطهيرها، وجسر للتواصل والتراحم بين أبناء المجتمع, وقد ورد الحض على الصدقة والترغيب فيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103]، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:60].

وإذا كانت الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي واجبة في أموال المسلمين بشروط محددة، فإن الصدقة تعد بمثابة الرافد الطوعي الذي يغذي نهر العطاء والإحسان في المجتمع الإسلامي, فالمسلم مدعو للتصدق في سائر الأوقات والأحوال، سواء في السراء أو الضراء، في العسر أو اليسر، وذلك امتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ" [رواه مسلم].


ولطالما كان العمل الخيري والإنساني من سمات المجتمعات الإسلامية على مر العصور، حيث برزت نماذج كثيرة للجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تعنى بجمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها, ومن هذه النماذج "بيت مال المسلمين" و"ديوان الصدقات" و"أوقاف الخير"، وغيرها من المؤسسات التي أسهمت في تكريس ثقافة العطاء والتكافل بين المسلمين.

واليوم، ومع تنامي أعداد المحتاجين والمعوزين، وتعدد وجوه الخير والبر، تزداد أهمية وجود جمعيات خيرية متخصصة تتولى إدارة الصدقات وتنظيم جمعها وصرفها في مصارفها الشرعية. وهنا يثور تساؤل مهم: هل يجوز للمسلم إخراج صدقاته وزكواته عبر الجمعيات الخيرية؟ أم أن الأولى إعطاؤها للمحتاجين مباشرة؟


في هذا السياق، أفتى العديد من علماء الإسلام على سؤال : حكم إعطاء الزكاة عن طريق الجمعيات الخيرية, بجواز دفع الصدقات والزكوات إلى الجمعيات الخيرية الموثوقة، والتي لها سجل حافل في خدمة الفقراء والمحتاجين, ومن بين هؤلاء العلماء، سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، حيث قال في فتوى له: "لا حرج في دفع الزكاة لجمعية خيرية ثقة، تقوم بإيصالها للمستحقين، فالجمعيات الخيرية كالوكيل عن الفقراء في قبض الزكاة وتوزيعها" وأكد علماء اخرين على أن: "قيام الجمعيات الخيرية مقام الفقير في تلقي الزكاة أمر جائز شرعًا، بل هو أولى في بعض الحالات".

ومن الجمعيات الخيرية المرموقة التي تنشط في هذا المجال، "جمعية نافع للأعمال التطوعية" والتي تهدف إلى تقديم العون لأفراد المجتمع وقد استطاعت الجمعية، بفضل ثقة المتبرعين ودعمهم السخي، تنفيذ العديد من المشاريع الرائدة، كمشروع "سقيا المياه"، ومشروع "إفطار الصائم"، ومشروع "العناية بالمساجد"، وغيرها من المشاريع التي أحدثت فارقًا ملموسًا في حياة المستفيدين.


ولا شك أن الجمعيات الخيرية هي من أهم القنوات التي يمكن من خلالها تفعيل سنة الصدقة الجارية في مجتمعاتنا, فهذه الجمعيات بما تمتلكه من كوادر مؤهلة وخبرات متراكمة، هي الأقدر على إدارة أموال الصدقات والأوقاف، وتحويلها إلى مشاريع تنموية مستدامة تدر النفع والخير على المجتمع بأسره, فمن خلال التبرع للجمعيات الخيرية الرصينة، يضمن المتصدق استمرارية صدقته وديمومة أجرها، فكأنه وهب صدقة جارية لا ينقطع ثوابها بمجرد إخراجها.


ومن الأمثلة الرائدة على ذلك، "جمعية البر الخيرية" التي تحرص على استثمار أموال الصدقات والزكوات في مشاريع تنموية نوعية، كإنشاء المدارس والمستوصفات، ودعم المشاريع الصغيرة للأسر الفقيرة، وتمويل برامج التدريب والتأهيل المهني, وهي في سبيل ذلك تتكون من عدة لجان متخصصة، كلجنة الزكاة والصدقات، ولجنة المشاريع، ولجنة المتابعة والتقييم، وغيرها من اللجان التي تتكامل أدوارها لضمان حسن إدارة أموال الصدقات وتعظيم العائد الاجتماعي منها.


ولا ننسى هنا أن نذكر أهمية إخراج زكاة المال في وقتها المحدد شرعًا، فهي حق واجب في أموال الأغنياء، وهي طهرة لنفوسهم وتزكية لأموالهم, ولا يخفى أن الجمعيات الخيرية يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتوعية المسلمين بأهمية الزكاة، وتسهيل إجراءات جمعها وتوزيعها على مستحقيها, كما يمكن للجمعيات أن تقدم الإرشادات اللازمة للمزكين حول كيفية حساب زكاة أموالهم، والأصناف التي يجب أن تدفع إليهم الزكاة و أفضل الأوقات لإخراجها.


وهكذا تتجلى لنا الأهمية القصوى للجمعيات الخيرية في إحياء سنة الصدقة بشكل عام، والصدقة الجارية على وجه الخصوص, فهذه المؤسسات المباركة هي خير معين للمتصدقين على إدامة عطائهم وتعظيم أجرهم، وهي النافذة الموثوقة التي يطمئنون من خلالها على وصول صدقاتهم لمستحقيها, كما أن للجمعيات الخيرية دورًا لا يستهان به في نشر الوعي بأهمية الزكاة وتعزيز الالتزام بها في المجتمع.