حياة بعد الحياة: بناء الصدقة بعد الرحيل
من عظيم رحمة الله بعباده أن جعل الخير سبيلاً للتقرب إليه في الدنيا وزادًا للآخرة، ليبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن يترك الإنسان بصمة خير ممتدة بعد رحيله؟
في ديننا الإسلامي نجد أنفسنا أمام فلسفة عظيمة، فلسفة العمل الصالح التي تُعَدّ بوصلة المؤمن في رحلته الدنيوية، ورفيقه في رحلته إلى الآخرة, فالحياة بعوالمها الفسيحة وفرصها المتنوعة وجمالها الزائف و متعتها اللحظية، ليست سوى محطة عابرة في رحلة الإنسان وحقلٌ واسعٌ نزرع فيه بذورًا نرجوا من الله أن تُزهر في رحلتنا حين تنقطع بنا السُبل.
ولعل أجلّ الأهداف التي يسعى إليها المؤمن هو استثمار كل لحظة من لحظات حياته بما يرضي الله تعالى ويُحقق الخير وينشره, حيث يُدرك المؤمن أنّ العطاء هو السبيل الوحيد لبناء جسورٍ من العمل الغير منقطع بين الدنيا والآخرة، لتكون له نورا وضياء و أجر مستمر لاينقطع.
التزود لرحلة العطاء
أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ للإنسان ثلاثة أصدقاء حقيقيين: أهله وماله وعمله, ففي حين ينفضّ عنه أهله وماله بعد الممات، يبقى عمله الصالح رفيقًا لا يفارقه أبدًا.
ومن أجلّ الأعمال الصالحة التي تبقى للإنسان بعد رحيله ذخراً وأجراً:
• الولد الصالح: ثمرة القلب التي تُزهر دعواتها كأنهار من النور تُروي عطش الروح وتصل للوالد فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة ، فيقول :أنَّى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك ".
• العلم النافع: لبنةٌ يُشاركُ بها المؤمن في بناء الأجر والخير, لبنةٌ هي الأساس في الحياة تنقل العلم والفائدة و ينطلق منها بنيان من أثر جليل يعانق عنان السماء, قال تعالى : { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين }.
• الصدقة الجارية: شعاع يبقى مابقيت الدنيا ينير ظلمات القبر و يبقى شاهداً على عِظم ماتركت, فعن سلمان ـ رضي الله عنه ـ
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أربعٌ من عملِ الأحياء تجري للأموات : رجلٌ تركَ عقبًا صالحًا يدعوا لهُ ينفعُهُ دعاؤهم ، ورجلٌ تصدقَ بصدقةٍ جاريةٍ من بعده لهُ أجرها ما جرت بعدهُ ، ورجل علَّم علمًا فعمل به من بعده ، له مثلُ أجرِ من عمل بهِ من غير أن ينقص من أجر من يعملُ به شيءٌ "
الصدقة إرثٌ من النور :
- من خلال مساهمات بسيطة ومعاني عظيمة، يمكن لكل منا أن يكون إرثا من نور و صدقة جارية لاتتوقف:
- · تبرع بقطعة من أرضك لتصبح طريقًا يسلكه الناس، تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل إزالة الأذى عن الطريق، فكم بالحري إذا كانت الصدقة طريقًا بأكمله!
- · شارك بالملابس والأغطية وأدوات المنزل تعكس معاني الأخوة والتكافل التي حث عليها ديننا الحنيف.
- · ساهم في توفير الكتب الشرعية والمطويات الإسلامية تفتح آفاقًا جديدة للمعرفة والإرشاد، تكسب به أجر العلم والتعلم لكل طالب.
- · تبرع في مشاريع الإستقطاع الخيرية التي توفرها الجمعيات الموثقة عبر منصاتها الرسمية والتي تتيح لك استقطاع مبلغ بسيط شهريا للتبرع مثل جمعية نافع التي توفر للمتبرعين في برنامج الاستقطاع خيارات عظيمة للعطاء مثل مشاريع إفطار الصائمين في مكة المكرمة و مشاريع العناية ببيوت الرحمن و مشاريع سقيا الماء وغيرها .
في نهاية المطاف، تُدرك الأرواحُ أنّ الحياةَ رحلةٌ قصيرةٌ، ولكنّ بصمتنا فيها يمكن أن تمتدّ إلى ما لا نهاية, فَلْنجعلها فرصةً لزرع بذور الخير التي لا تذبل ولننشر الخير العظيم الأجر الجاري الذي يستمر كحياة بعد الحياة و ضياء بعد الفناء.