أنواع الصدقات ومجالات صرفها.. دليلك الشامل للخير
الصدقة بحر زاخر، وميدان فسيح، تتنوع مجالاتها، وتتعدد صورها، لتستوعب كل راغب في فعل الخير، وتمد يد العون لكل محتاج وفقير.
لا بد أن نتساءل: ما الذي يمنعنا من الانخراط في هذا العالم الفسيح من العطاء والبذل؟ لماذا نتردد في مد أيدينا بالخير، ونحجم عن تقديم ما نستطيع من صدقات وقربات؟
إن الصدقة ليست حكرًا على أحد، ولا تقتصر على نوع بعينه، بل هي متاحة للجميع، كلٌّ على قدر استطاعته وما يملك فمن لم يجد مالاً يتصدق به، فليعط من وقته وجهده، ومن لم يستطع ذلك، فليبذل الكلمة الطيبة والنصيحة الصادقة..
ونحن هنا في جمعية نافع للأعمال التطوعية، إحدى الجمعيات الخيرية الرائدة في مجال العمل التطوعي والعطاء الإنساني، نضع نصب أعيننا دائمًا غاية نبيلة، وهي تسليط الضوء على أهمية الصدقة، وتعريف المجتمع بأنواعها ومجالات صرفها، ليكون الجميع على دراية تامة بسبل الخير والإحسان، ويختاروا ما يناسبهم منها بكل يسر وسهولة.
لنستكشف أبرز أنواع الصدقات ومجالات إنفاقها، عسى أن تكون لنا نبراسًا وهاديًا في دروب العطاء، ومفتاحًا لأبواب الأجر العظيم والثواب الجزيل بإذن الله.
اقرا ايضا :هل يجوز إعطاء مال الصدقة للوالدين
صدقة المال.. أفضل الصدقات وأعظمها أثرًا:
لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر الصدقة هو بذل المال وإنفاقه في وجوه الخير، وصدق الله إذ يقول: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فالصدقة المالية من أجلِّ القربات، وأعظم الطاعات، وهي صمام أمان للمجتمعات، وسبيل لتحقيق التكافل والتراحم بين أبناء الأمة
ولا تقتصر صدقة المال على إخراج الزكاة فحسب، بل تشمل كل عطاء يُبتغى به وجه الله تعالى، سواء كان كثيرًا أو قليلاً، في السر أو العلن فكم من مال وضعه صاحبه في يد فقير، فكان سببًا في تفريج كربته، وكم من ريال تصدق به مؤمن، فكان حجابًا له من النار يوم القيامة.
صدقة الطعام.. هدية الخير التي تسد الجوع:
ومن أحب الصدقات إلى الله تعالى إطعام الطعام للجائع والمحتاج، فكم من بائس لا يجد قوت يومه، وكم من فقير يتضور جوعًا ولا يملك ما يسد رمقه, وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بفضل هذه الصدقة العظيمة بقوله: "أفضل الصدقة إشباع كبد جائعة" فيا لها من صدقة مباركة، وفعل خير كريم، يمسح دمعة اليتيم، ويرسم البسمة على شفاه المسكين.
وللصدقة بالطعام صور متعددة، فمنها إفطار الصائم في رمضان، وتقديم الولائم والأضاحي في المناسبات والأعياد، وتوزيع السلال الغذائية على الأسر الفقيرة والمحتاجة, وكلها أعمال خيرية تحمل في طياتها الأجر العظيم والثواب الجزيل، وتسهم في تخفيف معاناة الكثيرين، وإدخال السرور على قلوبهم.
صدقة الثياب.. كسوة وسترة المحتاج:
وكما أن من الصدقة إطعام الجائع، فإن منها أيضًا كسوة العاري، وإلباس من لا يجد ثوبًا يستره أو يقيه حر الصيف وبرد الشتاء, فقد جاء في الحديث الشريف: "من كسا أخاه المسلم ثوبًا كساه الله من خضر الجنة" فاغتنم هذه الفرصة العظيمة، واجعل من صدقاتك ثوبًا جديدًا يسعد به فقير، أو ملبوسسا يقي قدمي يتيم.
وتتعدد مجالات صدقة الكساء، فمنها توزيع الملابس الجديدة على الأيتام والمحرومين، وتوفير الأغطية والبطانيات للمشردين والنازحين، وتجهيز العرائس الفقيرات بملابس الزفاف والجهاز وكل ذلك يدخل في باب التكافل الاجتماعي، ويحقق مبدأ التراحم والتعاطف بين أفراد المجتمع المسلم.
الصدقة الجارية.. حبل نجاة في الآخرة لا ينقطع:
وإذا كانت الصدقات السابقة عظيمة الفضل والأجر، فإن الصدقة الجارية تتميز بدوام نفعها واستمرار ثوابها، حتى بعد موت صاحبها, ومن أمثلة الصدقة الجارية: بناء المساجد، وحفر الآبار، ووقف العقارات والأراضي للأعمال الخيرية، وطباعة الكتب النافعة وتوزيعها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
وتحرص جمعية نافع على تشجيع هذا النوع من الصدقات، لما له من أثر بالغ في تنمية المجتمع وتلبية احتياجاته على المدى البعيد, فكم من مسجد أُقيم بصدقة جارية، فكان منارة للعلم والهداية، وكم من بئر حُفرت بسخاء محسن، فسقت الظمآن وأحيت الأرض الجرداء.
صدقة العمل والجهد.. عطاء بلا حدود:
ومن الصدقات التي قد يغفل عنها الكثيرون، صدقة العمل والجهد، وهي كل ما يبذله المرء من وقته وطاقته في سبيل مساعدة الآخرين و التطوع لتلبية احتياجاتهم فمن الصدقة أن تعين أخاك في حمل متاعه، أو تدله على طريق مقصده، أو تساعد كفيفًا في قضاء حاجته.
وهنا يأتي دور الجمعيات الخيرية كجمعية نافع، التي تفتح الباب أمام المتطوعين للمساهمة بجهودهم وأوقاتهم في خدمة المحتاجين وذوي الحاجات, فمن خلال برامج التطوع المتنوعة، يستطيع كل فرد أن يجد ما يناسبه من مجالات العمل الخيري، سواء في التعليم أو الصحة أو الإغاثة أو غيرها.
صدقة الكلمة الطيبة.. بلسم للجروح ودواء للنفوس:
وقد يظن البعض أن الصدقة لا تكون إلا بالمال أو الطعام أو الكساء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمنا أن من الصدقة أيضًا الكلمة الطيبة، والابتسامة في وجه أخيك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فكم من كلمة رقيقة أدخلت السرور على قلب حزين، وكم من نصيحة صادقة غيَّرت حياة إنسان وهدته إلى طريق الحق والصلاح.
ولا تحتاج صدقة الكلمة الطيبة إلى مال أو جهد كبير، فهي في متناول الجميع، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم.
فلنجعل من الصدقة نهجًا لنا في الحياة، ولنحرص على التمسك بها في كل أحوالنا وظروفنا ولنستشعر عظم الأجر الذي ينتظرنا عند رب العالمين، إذا أخلصنا النية، وبذلنا ما في وسعنا من عطاء وإحسان.
ولنكن كالغيث أينما وقع نفع، وكالشمس أينما حلّت أضاءت، نبعث الأمل في نفوس اليائسين، ونمسح الدمعة من عيون المحرومين، عسى أن ننال شرف الانضمام إلى ركب المنفقين الذين مدحهم الله في كتابه بقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.