ما هي أنواع الكفارات وأحكامها في الإسلام؟

ما هي أنواع الكفارات وأحكامها في الإسلام؟

قد يخطئ الإنسان أو يتجاوز دون قصد، ثم يشعر داخله برغبة صادقة في تصحيح ما جرى والعودة إلى الطريق الذي يطمئن له قلبه، ومن لطف الله بعباده أنه فتح لهم أبوابًا تساعدهم على جبر ما فات، وتقديم عمل صالح يعوّض التقصير ويقرّبهم منه.

ومن بين هذه الأبواب تأتي الكفارات التي شرعت لتكون وسيلة يبدل المسلم بها خطأه خيرًا، ويجعل أثرها نافعًا له ولمن يحتاج العون، وفي مقالنا اليوم سنوضح لك أنواع الكفارات وأحكامها في الإسلام.

ما هي الكفارات في الإسلام؟

الكفارات في الإسلام هي أعمال تعبدية شرعها الله ليجبر بها المسلم ما يقع منه من خطأ أو تقصير، سواء كان ذلك في قولٍ صدر دون ضبط، أو فعلٍ لم يُراعَ فيه ما أوجبه الشرع، وهي في حقيقتها باب من أبواب الرحمة؛ فالله لم يترك عباده أمام زلّاتهم بلا سبيل للعودة، بل جعل لهم طريقًا واضحًا يمحو به العبد أثر الذنب ويقرّب نفسه من الطاعة من جديد.

وتعتمد الكفارة على مبدأين أساسيين يجتمعان في قلب المسلم وهما: تحمّل المسؤولية عمّا وقع منه، والتقرّب إلى الله بعمل صالح يكون فيه نفع للفقراء والمحتاجين، كالإطعام، والكسوة، والصيام، وغيرها من الأعمال التي تحمل معاني التكافل والإصلاح.

ولهذا تختلف أنواع الكفارات وأحكامها باختلاف السبب الذي أوجبها؛ فلكل حالة حكمها، ولكل ذنب ما يقابله من جبر، بما يضمن تهذيب النفس وتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع.

وتُعدّ الكفارات صورة عملية لتوازن الشريعة بين حق العبد في التوبة وحق المجتمع في العدل؛ فهي تجمع بين التطهير الروحي، وتقوية الضمير، وإشاعة معاني الرحمة والعطاء في حياة الناس.

أنواع الكفارات وأحكامها

تتنوع الكفارات بتنوّع الأسباب التي تجب من أجلها، فكل ذنب أو تقصير حدّد له الشرع ما يناسبه من عمل يُصلِح أثره ويعيد للمسلم توازنه الروحي والعملي، ورغم اختلاف صور الكفارة بين إطعام وصيام وعتق وكسوة، إلا أنها جميعًا تشترك في مقصد واحد وهو جبر الخطأ وفتح باب جديد للطاعة، وفيما يلي أشهر أنواع الكفارات وأحكامها كما وردت في الشريعة:


أولًا: كفارة اليمين

تجب كفارة اليمين عندما يحلف المسلم على أمرٍ ما ثم يتراجع عنه أو لا يفي بما أقسم عليه، سواء كان ذلك عن تسرّع أو رغبة في إصلاح موقف تغيّر لاحقًا، وقد جعل الشرع لهذه الحالة كفارة واضحة تُراعى فيها قدرة المكلّف وتُحقق معنى التكافل مع المحتاجين؛ إذ يبدأ المسلم بالتخيير بين ثلاثة أعمال: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة لمن استطاع ذلك.

فإن لم يقدر على أي من هذه الصور، ينتقل إلى البديل الذي شرعه الله رحمةً بعباده وهو صيام ثلاثة أيام، وتقوم هذه الكفارة على مبدأ أن الكلمة مسؤولية، وأن مخالفة اليمين تحتاج إلى جبر يذكّر المسلم بأهمية التثبت قبل أن يُقدِم على القسم.

ثانيًا: كفارة الصيام

تجب كفارة الصيام عندما يُفطر المسلم في نهار رمضان إفطارًا متعمّدًا في حال لا يُعذَر فيها، أو عندما يقع في أمر يفسد صيامه بشكل يستوجب الكفارة، وقد وردت في الشرع صور متعددة لهذه الكفارة بحسب نوع التقصير وقدرة المكلف، ويُعد هذا النوع من أعظم الكفارات، لما يحمله صيام رمضان من مكانةٍ خاصة في قلب كل مسلم.

وتُظهر هذه الكفارة مكانة صيام رمضان وعظمة حرمته، وتذكر المسلم بأن العبادة ليست مجرد عادة موسمية، بل عهد يحتاج إلى التزام وتعظيم، وتتنوع كفارة الصيام، ومن أنواع الكفارات في الإسلام ما يلي:

  • صيام شهرين متتابعين لمن أفسد صوم رمضان عمدًا، ويُعد هذا الأصل في الكفارة إذا كان المسلم قادرًا عليه.
  • إطعام ستين مسكينًا عند عدم القدرة على الصيام الطويل أو وجود مانعٍ صحي يمنع الاستمرار.
  • عتق رقبة، وهي صورة واردة في النصوص القديمة، لكنها غير متيسرة في عصرنا، ويُكتفى بما يتناسب مع القدرة المتاحة مثل الإطعام أو الصيام.

ثالثًا: كفارة الحج

يرتبط الحج بمجموعة من الأعمال الدقيقة التي تحتاج من الحاج حضورًا قلبـيًا وحرصًا على أداء المناسك كما شُرعت، ومع الزحام والتنقّل وتغيّر الظروف، قد يقع الحاج في خطأ دون قصد؛ كارتكاب محظور من محظورات الإحرام أو ترك واجب من واجبات النسك؛ ولأن الشريعة تُقدّر مشقة الموقف، جعلت الكفارة طريقًا لتدارك هذا الخلل دون أن يُحرم الحاج من تمام أجره.

وتتوزع كفارة الحج على صور متعددة بحسب نوع التقصير، ومن أشهرها:

  • الهدي: وهو ذبح شاة تُقدَّم للفقراء، ويكون واجبًا في بعض المخالفات أو عند ترك واجب من واجبات النسك.
  • الصيام: ويشمل صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد العودة في الحالات التي ورد فيها النص، مثل التمتع لمن لم يجد الهدي.
  • الإطعام: ويُقصد به إطعام عدد من المساكين عند ارتكاب بعض المحظورات التي لا تستوجب الهدي مباشرة.

رابعًا: كفارة القتل

القتل الخطأ من أعظم ما قد يقع فيه الإنسان دون قصد، وقد جاءت الشريعة لتوازن بين حقّ المتوفى وأهله، وبين حاجة القاتل إلى التوبة وجبر ما وقع منه؛ ولهذا شُرعت كفارة ترفع عنه إثم الفعل ما دام غير متعمد، وتقوم على ما ورد في النصوص الشرعية من أعمال تعبدية تذكر المسلم بقدر المسؤولية التي يحملها تجاه حياة الآخرين، وتعيد إليه وعيه بقيمة النفس التي حرم الله إزهاقها.

وتتكون كفارة القتل الخطأ من صورتين أساسيتين:

  • عتق رقبة مؤمنة لمن قدر على ذلك.
  • صيام شهرين متتابعين عند العجز عن العتق.

خامسًا: كفارة الظِهار

يعد الظِّهار من الأقوال التي نهى عنها الشرع لما تحمله من إيذاء ومعانٍ لا تليق بالحياة الزوجية، وهو أن يُشبّه الرجل زوجته بمن يحرُم عليه على وجه التأبيد، وإذا وقع منه هذا القول ثم أراد الرجوع إلى زوجته، أوجب الشرع كفارة تُصلح ما بدر منه وتعيد للعلاقة احترامها واستقرارها، وتتحقق الكفارة حسب ترتيب محدد لا يجزئ فيه التقديم أو التأخير.

وتشمل كفارة الظِّهار الآتي:

  • عتق رقبة.
  • صيام شهرين متتابعين عند العجز عن العتق.
  • إطعام ستين مسكينًا لمن لم يستطع الصيام.

سادسًا: كفارة النذر

يُعدّ النذر التزامًا يقطعه الإنسان على نفسه طاعةً لله، فإذا نذر طاعة مشروعة وجب عليه الوفاء بها ما دام قادرًا؛ لأن النذر يصبح عهدًا بين العبد وربّه. أما إذا لم يستطع تنفيذ ما نذره لسببٍ معتبر، أو تعذر عليه الوفاء به كما وعد؛ فقد نصت الشريعة كفارة تُبرئ ذمته وتحقق معنى الجبر والتعويض، وتكون في صورتها مشابهة لكفارة اليمين عند العجز عن أداء النذر.

وتتضمن كفارة النذر الآتي:

  • إطعام عشرة مساكين.
  • كسوة عشرة مساكين.
  • صيام ثلاثة أيام عند العجز عن الإطعام والكسوة.

أسباب تشريع الكفارات في الإسلام

جاءت الكفارات في الشريعة لتكون طريقًا يعالج خطأ الإنسان ويصلح أثره، ويجمع بين التوبة الصادقة والعمل الذي يحمل خيرًا له ولمن حوله؛ ولهذا تعددت الأسباب التي شُرعت من أجلها، وكلها تعكس رحمة الله وحكمته في تهذيب النفس وبناء مجتمع متراحم، وتشمل أسباب تشريع الكفارات في الإسلام فيما يلي:

  • جبر ما يصدر من المسلم من خطأ أو تقصير، وتحويل الشعور بالذنب إلى خطوة عملية نحو الإصلاح والتوبة.
  • تذكير الإنسان بأن أقواله وأفعاله مسؤولية، وأن كل تصرف يترك أثرًا يحتاج إلى وعي وانضباط دائمين.
  • تقوية العلاقة بين العبد وربه من خلال عمل صالح يعيد الطمأنينة للقلب ويبعث روح الالتزام بالطاعة.
  • نشر قيم التكافل والرحمة عبر أعمال الإطعام والكسوة، وتحويل الكفارة إلى نفع مباشر يصل للمحتاجين.
  • تحقيق توازن يجمع بين إصلاح الفرد لذنبه وخدمة المجتمع بتقديم العون للفقراء في صور عملية واضحة.
  • تهذيب النفس وتعويدها على محاسبة ذاتها، وتربية المسلم على الانضباط والوفاء بما يلتزم به من أعمال.

الاختلاف بين الفدية والكفارة

يختلط على كثير من الناس التفريق بين الفدية والكفارة، مع أن كلًّا منهما شُرع لسبب مختلف تمامًا، ويتعلق بحالة المكلف وقدرته وطبيعة التقصير أو العذر، وتساعد معرفة الفرق بينهما المسلم على أداء ما يجب عليه وفق الحكم الصحيح دون زيادة أو نقصان، ويمكننا توضيح الاختلاف بينهما فيما يلي:


وجه المقارنةالفديةالكفارةسبب الوجوبتجب عند وجود عذر يمنع من أداء العبادة.تجب عند وقوع مخالفة أو تقصير بدون عذر.علاقتها بالذنبليست بسبب ذنب، بل لعدم القدرة على العبادة.ترتبط بفعل يحتاج إلى إصلاح وجبر.صورتها المعتادةغالبًا تكون إطعام مسكين عن كل يوم أو عمل بسيط.قد تكون صيامًا أو إطعامًا أو عتقًا حسب نوع المخالفة.العبادات المرتبطةتظهر عادة في الصيام أو الحج عند وجود عذر.تتعلق باليمين والصيام والظهار والقتل الخطأ والنذر وغيرها.هدفهاتعويض عبادة لم يستطع المسلم القيام بها.إصلاح أثر الخطأ وإعادة الانضباط للطاعة.حالة المكلفشخص معذور لا يقدر على العبادة.شخص قادر وقع في مخالفة ويحتاج للجبر.


الخلاصة

تُظهر لنا أنواع الكفارات وأحكامها مدى رحمة الشريعة وحكمتها في معالجة ما يقع من الإنسان من خطأ أو تقصير، فهي ليست فقط أعمال تعويضية، بل وسائل تربوية وروحية تُعيد للمسلم اتزانه وتمنحه فرصة لتجديد علاقته بربه.

وتتنوع الكفارات بتنوع الأسباب التي أوجبتها، ما بين إطعام وصيام وعتق وكسوة، وكلها تجمع بين تهذيب النفس ونفع المحتاجين وإشاعة معنى المسؤولية في حياة المؤمن، وتساعد معرفة هذه الأحكام المسلم على أداء ما عليه بطمأنينة، والحرص على أن يكون جبر الخطأ خطوة صادقة تُقربه إلى الله وتفتح أمامه بابًا جديدًا للطاعة.

الأسئلة الشائعة

في هذا الجزء نتناول عدد من الأسئلة الشائعة حول الكفارات وأنواعها وترتيبها من حيث الغلظة، وهي كالآتي:

ما هي أنواع الكفارات الخمس؟

يقصد الفقهاء بالكفارات الخمس الأنواع التي عُرفت في كتب الفقه، وهي: كفارة اليمين، وكفارة الحلق في الإحرام، وكفارة القتل الخطأ، وكفارة الظِّهار، وكفارة الإفطار في رمضان، وهذه هي الأشهر، ثم يضيف بعض العلماء كفارة النذر ضمن الأنواع بحسب طريقة تقسيمهم للأحكام.

ما هو ترتيب الكفارات من حيث غلظتها؟

لا يوجد ترتيب محدد لكل الكفارات من حيث غلظتها، لكن يُعد القتل الخطأ، والجماع في نهار رمضان، والظِّهار من الكفارات الأشد لأنها تتطلب أعمالًا كبيرة مثل العتق أو صيام شهرين متتابعين. أما كفارة اليمين والنذر وبعض مخالفات الإحرام فهي أخفّ لأنها تتعلق بأعمال يسيرة نسبيًا مثل الإطعام أو الصيام القصير.

كم عدد أنواع الكفارات في الإسلام؟

يختلف العدد حسب طريقة جمع العلماء للأحكام؛ فبعضهم يجعلها خمسة، وهي الكفارات المعروفة في كتب الفقه، بينما يضيف آخرون كفارة النذر وأنواعًا أخرى.