نستعرض معكم إشارات للتأمل في حديث النبي ﷺ حول أفضل الصدقة سقي الماء لنبين الأهمية الكبرى لهذا العمل في الإسلام وكيف يُعد التبرع بالماء من أحب الأعمال إلى الله
فضل سقي الماء في الإسلام
إنّ الماء هو أصل الحياة وشريانها، وقد جعله الله تعالى أساسًا لاستمرار الحياة على الأرض، فقال الله تعالى في كتابه الكريم: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" ولا يستطيع الإنسان الحياة دون الماء، ولذلك فإن صدقة الماء تعد من أعظم وأفضل الصدقات التي يمكن للمرء أن يقوم بها لأنها تساعد على الحفاظ على أهم وأغلى مكتسبات للإنسان وهي الحياة.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم حول فضل سقي الماء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة سقي الماء" (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة)، وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس صدقة أعظم أجراً من ماء" (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عندما قال: "أن رجلاً كان يمشي بطريق، فاشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرب منها، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له" (رواه البخاري). هذه الأحاديث تعكس أهمية سقي الماء وفضله العظيم، حيث إن عملًا بسيطًا مثل سقي كلب عطشان قد يكون سببًا في مغفرة الذنوب ويدل على أهمية سقيا الماء وفضلها والخير الناتج عنها هذا التوجيه النبوي الذي يعكس ضرورة سقي الماء في الإسلام.
الماء وأهميته في الحياة
الماء هو شريان الحياة ولولا وجود الماء لانتهت الحياة على الأرض. فالماء يستخدم في جميع مجالات الحياة، من الشرب والطهي إلى الزراعة والصناعة، ودون الماء لا يستطيع الإنسان والحيوان والنبات الحياة، لذلك فإن التبرع بالماء يعد من أعظم الأعمال الخيرية التي يمكن أن يقوم بها الإنسان.
قصة عبدالله بن المبارك وسقيا الماء
عبدالله بن المبارك هو أحد علماء السلف الذين عرفوا بأعمالهم الخيرية والزهد والتقوى، من أشهر القصص التي رويت عنه في سقيا الماء هي تلك التي تتحدث عن مواسم الحج، حيث كان يسعى لتوفير الماء للمحتاجين والمارة.
روى أن عبد الله بن المبارك كان يخرج في مواسم الحج، ويذهب إلى مناطق بعيدة في الصحراء حيث يقيم بئرًا للماء ليشرب منها الحجاج والناس، وقد كان يعد هذا العمل من أعظم الأعمال الخيرية التي يمكن أن يقوم بها، كان يحرص على أن تكون البئر نظيفة ومجهزة بالماء النقي، وكان يتكفل بكل التكاليف اللازمة لذلك من ماله الخاص بل ويحث عليه وفي ذلك يحكى النواوي: ذهب رجل إلى الصحابى عبدالله بن المبارك يقول له: يا عبدالله ابتليت بالمرض منذ 7 سنوات وقدمي تخرج القيح والصديد، فقال له ابن المبارك يا هذا اذهب إلى مكان ليس فيه ماء فاجعل فيه نبع ماء للناس فعسى الله بجريان نبعك أن يوقف صديد قدمك، فيقول الرجل فذهبت إلى مكان ليس فيه ماء فسقيت الناس ورويتهم فتوقف ألم قدمي.
سقيا الماء والرفادة في الجاهلية والإسلام
في الجاهلية، كانت العرب تعرف أهمية الماء وضرورة توفيره للمسافرين والحجاج، كانت هناك عادة قديمة تسمى "الرفادة" وهي تقديم الطعام والماء للحجاج، وكان لهذه العادة أهمية كبيرة، حيث كانت تجسد قيم الكرم والضيافة التي كانت تتميز بها العرب.
عندما جاء الإسلام، أكدت الشريعة الإسلامية على هذه القيم وزادت من أهميتها، بل و أكرمت من يقومون على سقيا ورفادة الحجيج، ليستمر هذا العمل حتى يومنا هذا فأصبحنا نرى الكثير من الجهات التي تقوم بتوزيع المياه على حجاج وزوار بيت الله الحرام.
قصص حول فضل سقي الماء
قصة السيدة التي سقت الكلب:
روي في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن امرأة بغيًا رأت كلبًا في يوم حار يطوف ببئر، وقد أدلى لسانه من العطش، فنزعت موقها فسقته إياه، فغفر لها" (رواه مسلم)، هذه القصة تبين أن الله تعالى يغفر الذنوب بسبب العمل الخيري البسيط كإرواء عطش الكائنات الحية.
قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه:
كان عثمان بن عفان رضي الله عنه من أعظم الصحابة في البذل والإنفاق في سبيل الله، ومن أشهر أعماله في هذا المجال، شراء بئر رومة في المدينة المنورة، التي كانت من أعظم مصادر الماء في المدينة، كانت البئر ملكًا لرجل يهودي، وكان يبيع الماء للمسلمين بأسعار مرتفعة، فقام عثمان رضي الله عنه بشراء البئر وجعلها وقفا للمسلمين يشربون منها بلا مقابل، امتثالا لأمر الرسول حين قال: "من حفر بئر رومة فله الجنة" (رواه البخاري).
كيف يمكننا التبرع بالماء اليوم؟
يمكن التبرع بالماء بطرق مختلفة ومتنوعة، مثل يمكن حفر الآبار في المناطق الجافة والمحتاجة، وتوفير محطات مياه نقية في الأماكن العامة، ودعم المشروعات التي تهدف إلى توفير مياه الشرب الباردة والنظيفة، كما يمكننا دعم الجمعيات الخيرية التي تعمل على توفير المياه وتوزيعها، مثل جمعية نافع التطوعية التي تعمل على توفير مشاريع سقيا زوار بيت الله الحرام والحجاج، وتقدم هذه الجمعيات خدمات جليلة في توفير المياه النظيفة للحجاج والزوار، وهو عمل عظيم يسهم في تخفيف معاناة الكثيرين ويعزز من روح التضامن والإخاء.
إن دعم مثل هذه الجمعيات يمكن أن يكون من خلال التبرعات المالية، أو المشاركة في المشروعات التطوعية، أو حتى بنشر الوعي بأهمية التبرع بالماء وأجره العظيم، إن العمل الجماعي والتكاتف في مثل هذه المشروعات يحقق الخير للجميع ويعزز من الروح الإيجابية في المجتمع.
دعوة للتأمل والعمل
إن حديث "أفضل الصدقة سقي الماء" ليس مجرد توجيه ديني، بل هو دعوة مفتوحة للتأمل والعمل الجاد، علينا أن نتخذ هذا الحديث الشريف كدافع قوي يحفزنا للمساهمة في تحسين حياة الناس من حولنا، ولندرك أن التبرع بالماء هو من الأعمال الخيرية التي تجمع بين الأجر العظيم والتأثير المباشر على حياة الآخرين. عندما نتأمل في عمق هذا الحديث، نجد أنه يحمل في طياته رسالة عميقة تُشعرنا بمسؤوليتنا الاجتماعية تجاه من يحتاجون إلى الماء، فالتبرع بالماء ليس مجرد عمل خيري يُقدم للمحتاجين، بل هو عبادة سامية تقربنا إلى الله تعالى، إن سقي الماء يعكس روح التضامن والتكافل الاجتماعي، ويظهر مدى تقديرنا لنعم الله علينا، ورغبتنا في مشاركة هذه النعم مع الآخرين
في عالمنا اليوم، حيث تعاني العديد من المناطق من شح المياه والجفاف، تصبح أهمية التبرع بالماء أكثر وضوحًا وإلحاحًا، إن توفير الماء النقي والصالح للشرب يمكن أن يكون الفارق بين الحياة والموت في بعض الأحيان، ويمكن أن يساهم في الوقاية من العديد من الأمراض التي تنتقل عبر المياه الملوثة، ولذلك يجب أن يكون هذا العمل الخيري في صدارة أولوياتنا كمسلمين يسعون للخير والبناء.
لا يمكن أن نتجاهل الأثر الإيجابي الذي يمكن أن يحدثه التبرع بالماء على المجتمعات، فالماء هو أساس الحياة، وعندما نوفره للناس، فإننا نساعدهم في تحسين ظروفهم المعيشية، ونمنحهم فرصة للتعليم والعمل وتحقيق التنمية المستدامة، إن سقي الماء ليس فقط لتلبية الاحتياجات الأساسية، بل هو أيضًا مساهمة في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وفي ظل التحديات البيئية والتغيرات المناخية التي تؤثر على مصادر المياه، يجب علينا أن نكون أكثر وعيًا وإدراكًا لأهمية الحفاظ على هذه الموارد الثمينة، إن التبرع بالماء يمكن أن يتخذ أشكالًا متعددة، من حفر الآبار إلى دعم مشروعات تحلية المياه وتوفير تقنيات الري الحديثة، كل جهد نبذله في هذا الاتجاه يمكن أن يكون له تأثير إيجابي بعيد المدى.
ومن الجدير بالذكر أن التبرع بالماء يعكس القيم الإسلامية الأصيلة التي تدعو إلى الرحمة والعطاء والتكافل، لقد حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذا العمل الجليل لما له من أجر عظيم وثواب كبير، فالمؤمن الحق هو الذي يسعى دائمًا لنشر الخير وإدخال السرور إلى قلوب الناس، وهذا ما نحققه من خلال التبرع بالماء.
في النهاية، يجب أن نتذكر دائمًا أن التبرع بالماء هو عمل خيري عظيم يعزز من إنسانيتنا ويقربنا إلى الله تعالى. فلنجعل من هذا الحديث النبوي الشريف دافعًا قويًا للعمل والتأمل، ولنساهم جميعًا في نشر الخير وتحقيق العدالة المائية في جميع أنحاء العالم، ولنتذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصدقة سقي الماء"، ولنسعَ جاهدين لتحقيق هذا الفضل العظيم في حياتنا اليومية.