تاريخ بناء وترميم والعناية بالمساجد كيف أولت الدول الإسلامية عناية خاصة بأماكن العبادة

٢٨ أبريل ٢٠٢٤
هبة
تاريخ بناء وترميم والعناية بالمساجد كيف أولت الدول الإسلامية عناية خاصة بأماكن العبادة

تاريخ بناء وترميم والعناية بالمساجد كيف أولت الدول الإسلامية عناية خاصة بأماكن العبادة


تعد المساجد من أعظم الروابط التي تصل الأمة الإسلامية بتاريخها وحضارتها الدينية ولطالما أولى المسلمون على مر العصور عناية فائقة بالمساجد، حرصًا منهم على إعمارها وصيانتها وترميمها، تلبيةً لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.


وتجلت هذه العناية بالمساجد منذ فجر الإسلام، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على بناء المساجد والاهتمام بها، ففي الحديث الشريف: "من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة" [رواه ابن ماجه].

وقد تواصلت هذه الجهود المباركة في عهود الخلافة الراشدة والأموية والعباسية، حيث شهدت المساجد نهضة عمرانية شاملة، وأصبحت تحفًا معمارية تزدان بها المدن الإسلامية.


فعلى سبيل المثال في العصر الأموي، تم توسعة المسجد النبوي الشريف وتجديده على يد الخليفة الوليد بن عبد الملك، الذي استقدم أمهر المعماريين والفنانين لإنجاز هذا المشروع الضخم، وفي العصر العباسي ازدهرت فنون العمارة الإسلامية وبلغت ذروتها، وظهرت مساجد فخمة كجامع سامراء وجامع أبي دلف وغيرها، ولم يقتصر الأمر على البناء والتشييد، بل امتد ليشمل الصيانة الدورية والترميم المستمر لهذه الصروح الدينية، حفاظًا على وظيفتها ولتستمر في خدمتها.

واليوم، تسير المملكة العربية السعودية على النهج في العناية بالمساجد، وتولي اهتمامًا كبيرًا بترميمها وتطويرها في إطار رؤية 2030 الطموحة، فقد خصصت الدولة ميزانية ضخمة لهذا الغرض، وأطلقت العديد من المشاريع النوعية لتحسين البنية التحتية للمساجد وتجديد مرافقها وتعزيز دورها في المجتمع، وتنوعت هذه المشاريع لتشمل أعمال الصيانة والترميم والتوسعة، إلى جانب تحسين الخدمات المقدمة للمصلين من تكييف وإنارة وتجهيزات صوتية وغيرها.

وإذا أردنا أن نتأمل في تاريخ العناية بالمسجدين الحرام والنبوي، فسنجد أنه تاريخ حافل بالجهود المباركة والمشاريع النوعية على مر العصور، فمنذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا، لم تتوقف مسيرة التجديد والترميم والتوسعة لهذين المعلمين المقدسين، وكان لكل عصر من العصور الإسلامية بصمته الخاصة في هذه المسيرة، سواء على مستوى فنون العمارة أو تقنيات البناء أو حجم الإنجازات، ولعل من المفيد أن نستعرض أبرز المحطات في تاريخ تجديد وتوسعة الحرمين الشريفين، لنقف على عظمة هذا الإرث الحضاري ونستلهم منه الدروس والعبر في خدمة بيوت الله:


تاريخ تجديد وتوسعة المسجد الحرام:

في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (638م)، تمت أول توسعة للمسجد الحرام.

في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه (649م)، تمت التوسعة الثانية.

في عهد عبد الله بن الزبير رضي الله عنه (692م)، تمت توسعة المسجد وإعادة بنائه بعد حصار الحجاج بن يوسف الثقفي.

في العصر الأموي، قام الوليد بن عبد الملك بتوسعة المسجد الحرام (709م).

في العصر العباسي، أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بتوسعة المسجد (754م)، وكذلك الخليفة المهدي (776م).

في العصر المملوكي، قام السلطان الناصر محمد بن قلاوون بترميم وتجديد المسجد الحرام (1326م).

في العصر العثماني، تمت عدة توسعات وتجديدات في عهد السلطان سليمان القانوني (1571م) والسلطان مراد الرابع (1630م) والسلطان محمود الثاني (1847م).

في العصر السعودي، شهد المسجد الحرام توسعات كبرى، أبرزها توسعة الملك عبد العزيز آل سعود (1955م)، والملك فهد بن عبد العزيز (1988م)، والملك عبد الله بن عبد العزيز (2011م) والتوسعة القائمة اليوم وهي توسعة الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله (2016).


تاريخ تجديد وتوسعة المسجد النبوي الشريف:

في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (638م)، تمت أول توسعة للمسجد النبوي.

في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه (649م)، تمت التوسعة الثانية.

في العصر الأموي، قام الوليد بن عبد الملك بتوسعة المسجد النبوي وإعادة بنائه (707م).

في العصر العباسي، تمت توسعة المسجد في عهد الخليفة المهدي (781م).

في العصر المملوكي، أمر السلطان قايتباي بترميم وتجديد المسجد النبوي (1481م).

في العصر العثماني، شهد المسجد النبوي عدة توسعات وتجديدات، أبرزها في عهد السلطان سليمان القانوني (1548م) والسلطان عبد المجيد الأول (1860م).

في العصر السعودي، تمت توسعة المسجد النبوي في عهد الملك عبد العزيز آل سعود (1950م)، والملك فهد بن عبد العزيز (1994م)، والملك عبد الله بن عبد العزيز (2012م) وتوسعة الملك سلمان للعام (2017).

وتستمر جهود المملكة العربية السعودية في العناية بالحرمين الشريفين وتوسعتهما وتجديدهما، حيث تشهد المشاعر المقدسة مشاريع تطويرية ضخمة لخدمة الحجاج والمعتمرين وتيسير أداء مناسكهم في أجواء من الراحة والطمأنينة والخشوع.


وفي هذا الإطار، تبرز جهود جمعية نافع التطوعية كنموذج مشرف للعمل الخيري في خدمة بيوت الله، فمن خلال مبادرتها الرائدة "العناية بالمساجد"، تقدم الجمعية خدمة شاملة ومتكاملة للمساجد، تغطي جوانب الصيانة والترميم والدعم التعليمي والدعوي، وبفضل سخاء المحسنين وتفاني المتطوعين، استطاعت الجمعية أن تُعيد التهيئة لعشرات المساجد، وأن تحسن مرافقها وتلبي احتياجاتها التشغيلية من كهرباء وماء وتجهيزات صوتية وغيرها، كما ساهمت في تفعيل الدور التعليمي والدعوي للمساجد، من خلال استضافة الدروس العلمية وحلقات التحفيظ والبرامج التوعوية التي تثري معارف المصلين وتعزز قيمهم الروحية والأخلاقية.

إن العناية بالمساجد وترميمها ليست مجرد واجب ديني أو عمل خيري فحسب، بل هي حلقة وصل حيوية بين ماضي الأمة وحاضرها، فهذه البيوت المباركة تجسد تاريخنا الاسلامي العريق وهويتنا الحضارية، وتشكل إرثًا ثمينًا لديننا الحنيف ورمزا يعبر عن معنى و أهمية الإسلام، وحين نحافظ على هذه الأمانة الغالية، ونعمل على إعمارها وترميمها، فإننا في الحقيقة نربط مجتمعنا بأماكنه المقدسة، ونعطي من وقفتنا وعنايتنا بالمساجد خيري العطاء والنماء.


ومن هنا، يتعين على كل فرد ومؤسسة أن يسهم بدوره في دعم جهود ترميم المساجد، سواء بالتبرع السخي أو بالعمل التطوعي المخلص، لنجعل من مساجدنا صروحًا شامخة للإيمان والعلم والهداية. ولنستلهم من تاريخنا المجيد

نماذج مضيئة في البذل والعطاء والإخلاص في خدمة بيوت الله، ولتكن مساجدنا دومًا منابع للخير والنور والهدى، تضيء حاضر الأمة وترسم معالم مستقبلها الواعد.