العمل الخيري المؤسسي في المملكة: مسيرة عطاء وتنمية

٢٠ فبراير ٢٠٢٤
محمد الثبيتي
العمل الخيري المؤسسي في المملكة: مسيرة عطاء وتنمية

في أرض الحرمين الشريفين، حيث الإيمان يسري في عروق الأرض والإنسان، يتجلى العمل الخيري في المملكة العربية السعودية كتجسيد حي للتعاليم الإسلامية السامية، تمثل هذه المسيرة المباركة نموذجاً فريداً في التطور والتنمية، منطلقة من القيم الأصيلة للمجتمع السعودي وممتدة عبر عقود من العطاء المتواصل.


رحلة تطور العمل الخيري في المملكة

مر العمل التطوعي في المملكة بأكثر من مرحلة يمكن توضيحهم كالآتي بشكل أكثر تفصيلًا:


البدايات البسيطة والتأسيس

انطلق العمل الخيري في المملكة من رحم المجتمع نفسه، متجذراً في القيم الإسلامية الأصيلة، في تلك البدايات البسيطة، كانت المبادرات الفردية والجهود الذاتية هي المحرك الرئيسي للعمل الخيري، تجلت هذه البدايات في صور شتى من التكافل الاجتماعي، حيث كانت الزكوات والصدقات تجمع وتوزع بشكل مباشر على المحتاجين، في نموذج بسيط لكنه عميق الأثر في النسيج الاجتماعي.


مرحلة التنظيم المؤسسي

مع تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، بدأت مرحلة جديدة من التنظيم المؤسسي للعمل الخيري، تميزت هذه المرحلة بإنشاء أول صندوق للزكاة والصدقات، الذي شكل نواة للعمل الخيري المنظم في المملكة، تبع ذلك تأسيس لجان متخصصة في المدن الرئيسية، مما أسهم في توسيع نطاق العمل الخيري وتنظيم آلياته.


التطور والتوسع

شهدت العقود اللاحقة نقلة نوعية في العمل الخيري السعودي، مدفوعة بالنمو الاقتصادي وتحسن الموارد المالية، تأسست المؤسسات الخيرية الكبرى، وتوسعت مجالات العمل لتشمل:


رعاية الأيتام والأرامل

أصبحت رعاية الأيتام والأرامل من أبرز مجالات العمل الخيري، حيث تقدم المؤسسات المتخصصة رعاية شاملة تتضمن السكن والتعليم والرعاية الصحية والنفسية، تطورت هذه البرامج لتشمل التأهيل المهني والدعم في بدء المشاريع الصغيرة.


الإسكان الخيري

توسعت مشاريع الإسكان الخيري لتلبي احتياجات الأسر المحتاجة، مع التركيز على توفير بيئة سكنية مناسبة وكريمة، تشمل هذه المبادرات بناء الوحدات السكنية وترميم المنازل القائمة وتقديم الدعم في سداد الإيجارات.


البرامج التعليمية والتدريبية

تطورت البرامج التعليمية من مجرد تقديم المساعدات المالية إلى برامج شاملة تهدف إلى التمكين والتأهيل، تشمل هذه البرامج المنح الدراسية، والدورات التدريبية المهنية، وبرامج تعليم اللغات والحاسب الآلي.


التحديات التي تواجه مجال العمل الخيري في المملكة

تواجه العمل الخيري في المملكة مجموعة من التحديات في مجالات مختلفة من نواحي عدة مثل الناحية الاقتصادية والتنظيمية وكذلك من جهة التطور والتقنية وهذه التحديات تتمثل في النقاط الآتية:


التحديات التنظيمية

تواجه المؤسسات الخيرية تحديات تنظيمية متعددة، أبرزها تعقيد الإجراءات البيروقراطية وطول دورة اتخاذ القرار، يستغرق إصدار التراخيص والموافقات وقتاً طويلاً، مما يؤثر سلباً على سرعة الاستجابة للاحتياجات الملحة، كما أن تعدد الجهات الإشرافية يخلق تداخلاً في المسؤوليات والصلاحيات.


التحديات المالية والاقتصادية

يشكل الاعتماد على التبرعات المباشرة تحدياً كبيراً أمام استدامة العمل الخيري، تتأثر هذه التبرعات بالظروف الاقتصادية وموسمية العطاء، مما يجعل التخطيط طويل المدى أمراً صعباً، كما تمثل التكاليف التشغيلية المرتفعة عبئاً إضافياً على الموارد المالية المحدودة.


التحديات التقنية والرقمية

رغم التطور التقني المتسارع، تواجه بعض المؤسسات الخيرية صعوبات في مواكبة التحول الرقمي، يشمل ذلك تحديات في أتمتة العمليات، وإدارة قواعد البيانات، وتطوير المنصات الإلكترونية للتواصل مع المستفيدين والمتبرعين.


تحديات الموارد البشرية

تعاني المؤسسات الخيرية من نقص في الكوادر المتخصصة والمؤهلة، يشمل ذلك الحاجة إلى خبرات في مجالات الإدارة المالية، وتطوير البرامج، وإدارة المشاريع، والتسويق الاجتماعي.


حلول وآفاق مستقبلية

يمكن تفعيل العمل التطوعي بشكل أكبر من خلال مجموعة من الحلول وهي كالآتي:


التحول الرقمي والابتكار

يمثل التحول الرقمي فرصة كبيرة لتطوير العمل الخيري، تتجه المؤسسات نحو تبني التقنيات الحديثة في إدارة عملياتها وتقديم خدماتها، يشمل ذلك تطوير المنصات الإلكترونية، وأنظمة إدارة المستفيدين، وحلول الدفع الإلكتروني.


الشراكات الاستراتيجية

تتجه المؤسسات الخيرية نحو بناء شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية، تهدف هذه الشراكات إلى تعزيز الموارد المالية وتطوير القدرات المؤسسية وتحسين جودة الخدمات المقدمة.


التنمية المستدامة

يتجه العمل الخيري نحو تبني مفهوم التنمية المستدامة، من خلال التركيز على المشاريع التي تحقق أثراً طويل المدى، يشمل ذلك برامج التمكين الاقتصادي، والتدريب المهني، ودعم المشاريع الصغيرة.


اقرأ أيضا حول: أهمية وتأثير العمل التطوعي على الفرد والمجتمع


خاتمة: نحو مستقبل أكثر نفعاً

يمضي العمل الخيري في المملكة العربية السعودية قدماً نحو آفاق جديدة، مستنداً إلى إرث غني من القيم والتجارب، مع استمرار التحديات، تبرز فرص جديدة للتطوير والابتكار، مدعومة برؤية المملكة 2030 وتطلعاتها نحو تنمية مستدامة وشاملة،

إن مستقبل العمل الخيري في المملكة يبشر بمزيد من التطور والنمو، مع التركيز على الابتكار والاستدامة والأثر الاجتماعي، تبقى القيم الأصيلة والروح الإنسانية هي المحرك الرئيسي لهذا القطاع الحيوي، الذي يواصل دوره في بناء مجتمع متكافل ومزدهر.