سقيا الماء للمساجد: فضله وأهميته للمجتمع

١٨ أغسطس ٢٠٢٤
محمد مجدي
سقيا الماء للمساجد: فضله وأهميته للمجتمع

إن سقي الماء من الأمور العظيمة والصدقات التي حث عليها الدين، وذلك لما لها من الخير والفضل على البشر والطيور والكائنات الحية، لذلك نوضح لك فضل سقيا الماء، وخاصةً فضله في بيوت الله.


فضل سقيا الماء للمساجد

إن فضل صدقة الماء في المساجد عظيم لا يعلم مداه إلا الله تعالى، فالمساجد هي بيوت الله في الأرض، يأتيها المصلون للعبادة والذكر وتلاوة القرآن، وما أجمل أن نوفر لهم الماء ليتطهروا ويشربوا ويتنعموا بهذه النعمة العظيمة.

إن سقيا ماء للمساجد ليست مجرد عمل خيري عابر، بل هي باب واسع من أبواب الخير والبر، فكل من يشرب من هذا الماء أو يتوضأ به لأداء الصلاة، يكون لك مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء، فتأمل كم من الحسنات تجري لك وأنت في قبرك بسبب قطرات ماء وفرتها لبيت من بيوت الله.

فضل سقيا الماء للمعتمرين والحجاج

ومن أعظم صور سقيا الماء للمساجد ما يكون في المسجد الحرام والمسجد النبوي، فالحجاج والمعتمرون يأتون من كل فج عميق، متحملين مشقة السفر وحرارة الجو فما أعظم أجر من يسقيهم الماء ويروي ظمأهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم سقى مسلما على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم" فتأمل في هذا الفضل العظيم إنه وعد من الله تعالى بأن يسقيك من شراب الجنة مقابل شربة ماء تسقيها لحاج أو معتمر.

النصوص الدينية الدالة على فضل سقيا الماء

لقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تدل على فضل سقي الماء عمومًا، وفضل سقي الماء في المساجد خصوصًا، فمن ذلك:

  1. قول الله تعالى: ﴿وَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24]، فهذه الآية تبين لنا كيف أن نبي الله موسى عليه السلام سقى للفتاتين، ثم دعا ربه فكأن سقي الماء كان سببًا في إجابة دعائه.
  2. وفي الحديث الصحيح عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله، إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، فحفر بئرًا، وقال: هذه لأم سعد"، فهذا الحديث يدل على أن سقي الماء من أفضل الصدقات.
  3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: "في كل كبد رطبة أجر".

هذه النصوص وغيرها تبين لنا عظم فضل سقي الماء، وكيف أنه من الأعمال المحبوبة إلى الله تعالى، فكيف إذا كان هذا السقي في المساجد، وهي أحب البقاع إلى الله تعالى.

هل تعتبر سقيا الماء صدقة جارية؟

نعم، إن سقيا الماء تعتبر من أفضل الصدقات الجارية التي يستمر ثوابها للعبد حتى بعد موته، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

وسقيا الماء للمساجد تدخل في باب الصدقة الجارية من وجوه عدة:

  1. استمرارية النفع: فالماء الذي توفره للمسجد ينتفع به المصلون باستمرار، سواء للشرب أو للوضوء.
  2. تعدد المنتفعين: فكل من يدخل المسجد يستفيد من هذا الماء، وكلما كثر عدد المنتفعين، كثر الأجر والثواب.
  3. ارتباطها بالعبادة: فالماء في المسجد يستخدم للطهارة والوضوء، وهذا يعني أنك تساهم في تيسير العبادة على المصلين.


فمن وفق لسقيا الماء في المساجد، فقد وفق لعمل صالح يستمر أجره وثوابه ما دام الماء جاريًا والناس منتفعين به.

أيهما أفضل صدقة الماء أم الطعام؟

إن المفاضلة بين الصدقات أمر يختلف باختلاف الحال والزمان والمكان، فقد يكون الماء في بعض الأحوال أفضل من الطعام، وقد يكون العكس في أحوال أخرى، ومع ذلك، فقد وردت بعض النصوص التي تبين فضل سقي الماء على غيره من الصدقات:

عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء"، وفي حديث آخر: "أفضل الصدقة سقي الماء".

ومن هنا نفهم أن سقي الماء له مكانة خاصة بين الصدقات، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أمور منها:

  1. الماء أساس الحياة: فالله تعالى جعل من الماء كل شيء حي.
  2. حاجة الناس الماسة للماء: فلا يستغني عنه أحد، بخلاف الطعام الذي قد يستغني عنه الإنسان لفترات.
  3. سهولة تقديم الماء: فيمكن توفير الماء بسهولة أكبر من توفير الطعام في كثير من الأحيان.
  4. ارتباط الماء بالطهارة والعبادة: فالماء ضروري للوضوء والغسل، وهذا يجعل سقي الماء في المساجد ذا أهمية خاصة.



وفي الختام، فإن فضل سقي الماء في المساجد عظيم لا يعلم مداه إلا الله تعالى، فهو صدقة جارية، وباب من أبواب الخير والبر، وسبب من أسباب مغفرة الذنوب ودخول الجنة، فلنحرص - إخواني وأخواتي - على المساهمة في توفير الماء للمساجد، سواء بالتبرع المادي أو بالمشاركة في المشاريع الخيرية التي تهتم بهذا الأمر.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من السقاة المباركين، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يسقينا من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.